Monday, July 29, 2019

تنتج حالة التوائم الملتصقة من تلقيح بويضة واحدة

كانت الحالة هي الأندر لعيب خلقي قلما يحدث، وهو التصاق التوائم من جهة الرأس!
تمكنت بي بي سي من الكشف حصريا عما جرى خلال سلسلة من العمليات الرائدة بأحد المستشفيات البريطانية لفصل الاختين صفا ومروة.
يجري العمل بسلاسة وبحركات جميعها محسوبة دون أن يبدر ما يدل على توتر أو قلق بل أن الأنامل والأيادي تباشر بحرص مهماتها واحدة تلو الأخرى.  
غير أن ما يجري ليس عملية معتادة، إذ تظهر الأضواء الباهرة لصالة العمليات كتلة مدثرة هي في الواقع جسدا طفلتين هما صفا ومروة الملتصقتين عند الرأس، وقد انكشف مخاهما أثناء انهماك الجراحين في عملية فصل شبكة معقدة من الأوعية الدموية المشتركة بينهما.
فالدم من مخ صفا لا ينساب بشكل صحيح بل ينتقل إلى أختها.
إذ يسبب ذلك ضغطا اضافيا على قلب مروة لتصبح حالتها غير مستقرة بشكل خطير.
يصدر أطباء التخدير الأوامر في صالة العمليات ويُبلِّغون الجراحين بحالة الصغيرتين وفق المؤشرات التي تظهر عندهم بينما ينهمكون في محاولة إيصال المريضتين إلى وضع مستقر.
تثبّت المجسات على صدر مروة استعدادا لذلك، بينما يرفع كبير الجراحين كلتا يديه كإشارة تحذير وينسحب للخلف بينما ينتظر الجميع.
لو فقدوا مروة فربما فقدوا صفا أيضا.
في السابع من يناير/كانون الثاني 2017 ولدت زينب توأمها بعملية قيصرية في مستشفى حياة آباد في بيشاور على بعد 50 كيلومترا من منزلها في شمالي باكستان.
ولم تلتق زينب بوليدتيها فور الولادة إذ لزم أن تتعافى من الجراحة أولا.
كان محمد سادات حسين، جد الطفلتين، أول من عرف أن الصغيرتين ملتصقتين بالرأس وهي الحالة الأندر بين حالات الالتصاق القليلة أصلا.
وصل الجد إلى قسم الولادة بالمستشفى حاملا الحلوى للممرضات تهنئة بالوليدتين كما جرت العادة.
وكان ما زال في حداد على ابنه المتوفى واختلطت مشاعره عند رؤية حفيدتيه، إذ يقول: "كنت سعيدا لرؤيتهما بينما أفكر ماذا عساي أن أفعل بهما وهما ملتصقتا الرأس؟"
ولكنها تقول إنها أحبت البنتين ما أن رأتهما.
"كانتا جميلتين. شعرهما جميل وبشرتهما بيضاء. لم أفكر حتى في كونهما ملتصقتين. لقد رزقني الله بهما".
سُميت إحداهما صفا والأخرى مروة على اسم الصفا والمروة في مكة.
عرض مستشفى عسكري إجراء العملية ولكن رجح مسؤولوه أن تموت إحدى البنتين جراء ذلك فرفضت الأم المجازفة بأي منهما.
وجرى بحث خيارات أخرى، وحين بلغت البنتان من العمر ثلاثة أشهر أتيح للأسرة الإتصال بجراح أعصاب الأطفال أويس جيلاني الذي يعمل بأحد أشهر مستشفيات الأطفال في العالم، مستشفى غريت أورموند ستريت في لندن.
وكانت المصادفة أن جيلاني نفسه من مواليد كشمير القريبة من مسقط رأس الأسرة وقد وجد ما يجمعه بالطفلتين.
حينها بدأ السباق مع الزمن.
قبل أغسطس/آب 2018 حصلت الأسرة على تأشيرات دخول المملكة المتحدة ولكن لم يتوفر لهم بعد التمويل اللازم للعمليات التي تجرى على نفقة المريض ولا يتكفل بها التأمين الصحي البريطاني، ولم يكن جيلاني قد تمكن إلا من جمع القليل من المال المطلوب لتسديد التكاليف الطبية.
بلغت البنتان 19 شهرا من العمر أي أكثر بكثير من السن الذي يحبذه المستشفى لإجراء العملية. ولو تأخر الوقت أكثر من ذلك فقد يصبح الفصل أشد خطورة وتتدنى فرص التعافي لاحقا.
يتذكر الطبيب لحظة وصول الأسرة فيقول: "وصلوا في مطلع أغسطس/آب ولم يكن لدينا سوى القليل من المال المطلوب. وصلت الطفلتان وكنت متوترا إذ شعرت بمسؤولية شخصية تجاههما".
تم توفير إقامة لخال البنتين محمد إدريس، وجدهما، بشقة قرب المستشفى؛ أما زينب فآثرت البقاء بجانب طفلتيها والنوم في نفس الغرفة بالمستشفى.
تقول: "صفا ذكية وسعيدة وتحب الكلام" بينما مروة خجولة "تفضل أن تناجي نفسها وإن كلمناها قد لا ترد".
وبعد وصول الأسرة باسبوع، وبينما كان جيلاني يتناول الغداء مع صديقة له تعمل محامية حدث شيء غير متوقع قلب موازين الأمور. بينما كان يقص عليها حكاية التوأمين وإذ بالمحامية ترفع هاتفها وتجري اتصالا.
أعطت المحامية السماعة لصديقها الجراح وطلبت منه أن يخبر من على الجانب الآخر من الخط عن البنتين، وكان المستمع هو رجل أعمال باكستاني ثري يدعى مرتضى لاخاني، وخلال دقائق معدودة تم التبرع بسداد تكاليف العلاج.
يقول لاخاني "البنتان من باكستان وهي بلدي الأصلي، ولكن سبب عرضي المساعدة في الواقع هو أن تلك العملية ستنقذ حياة طفلتين. لم أفكر كثيرا في الأمر فالأطفال هم المستقبل".
وبالتالي نصح جيلاني الأسرة بالقدوم فورا إلى إنجلترا.